المحاضرة الحادية عشرة
الأخلاق الإسلامية
الأخلاق في الفكر الإسلامي
أولا: أهمية الأخلاق في الكتاب الكريم.
أكد القران الكريم على أهمية الأخلاق الفاضلة في الإنسان وتربية النفوس البشرية وتعليمها معالي الأخلاق ويمكننا ان نقف على مدى أهميه الأخلاق الفاضلة وتزكية النفس في القران الكريم من خلال هذه الايات الكريمات:قال تعالى ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯼ ﭼ آل عمران: ١٦٤
فنلاحظ ان القران الكريم قد جعل الهدف الأصلي من بعثة الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو تربية نفوس البشر وتزكيتها وتعليمها مكارم الأخلاق، بل جعل التزكية والتربية الخلقية مقدمة على تعليم الكتاب والحكمة نظرا لأهميتها البالغة، وان كان الترتيب الطبيعي يقتضي تأخير التزكية الخلقية عن التعليم ولذلك أخرت في قوله تعالى ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮅ ﭼ البقرة: ١٢٩
وقال تعالى ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ الشمس: ٩ وتدلنا هذه الايه على مدى اهتمام القران بالأخلاق حيث ورد فيها القسم بالخالق المخلوق والأرض والسماء والقمر والشمس والنفس الإنسانية _ وهو أطول قسم ورد في القران الكريم _ من اجل إثبات حقيقة واحدة وهي (ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ
وقال تعالى { ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ الأعلى: ١٤ - ١٥ وهنا نلاحظ انه تعالى قدم التزكية على ذكره تعالى وعلى الصلاة إيحاء منه بان الذكر والصلاة لا يمكن ان يتركان أثرهما في النفوس من دون التزكية.
نعم يحتوي القران الكريم على مقاصد عظيمة وأهداف كبيرة تهدف إلى بناء الإنسان على فضائل الأخلاق ومكارم السجايا وتدعوه نحو الكمال الروحي والتعالى الخلقي ومعرفة النفس والتاخي الاجتماعي وضبط الأخلاق على مختلف الأصعدة.
وعلى صعيد التآخي الاجتماعي والتكاتف الذي يعتبر رمزا لسمو الأخلاق يقول تعالى ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﮕ ﭼ آل عمران: ١٠٣
فيدعوا إلى نبذ التنازع والتفرقة ويعتبرها سبيل إلى الفشل ﭽ ﭔ ﭕ ﭖ ﭠ ﭼ الأنفال: ٤٦
ويحرض على التعاون ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯿ ﭼ المائدة: ٢
والاحسان للجار واكرامهم مما ينمي مكارم الخلق { والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب."
وصلة الرحم التي اعتبرها وسيلة لامتثال اوامر الله وعلامة على خشيته تعالى: والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم …اولئك لهم عقبى الدار."
والدفع بالتي هي أحسنﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮜ ﭼ فصلت: ٣٤
ويدعوا إلى العدالة في الحكم والقضاء بين الناس ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯴ ﭼ النساء: ٥٨ والى حسن المعاشرة الزوجية ﭽ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯰ ﭼ النساء: ١٩
ويدعوا إلى معالجة الجريمة والاعتداء على حقوق الآخرين الذي يشكل أقوى عنصر في فساد الأخلاق فكافحه بالقصاص ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ البقرة: .١٧٩
وقد أناط القران الحصول على السعادة الأبدية في الآخرة بطيب الخلق الذي من ابرز مصاديقه عدم التكبر والاستعلاء ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ القصص: ٨٣
وغير ذلك من الآيات القرآنية الكريمة الواردة في موارد مختلفة والتي تهدف إلي تثبيت الأخلاق الحسنة بين البشر.
ويتضح من خلال ما تقدم الأهمية البالغ لمسالة الأخلاق الفاضلة في القران الكريم حتى انعكس هذا الامر على جميع قوانين وأحكام الإسلام الحنيف.
ثانيا أهمية الأخلاق في السنة الشريفة
وقد جاء التأكيد البالغ والاهتمام الكبير على هذه المسالة في سنة الرسول ونذكر نماذج من ذلك:
قال إنما بعثت أتتمم مكارم الأخلاق، وفي روية أخرى:إنما بعثت لآتيتم حسن الخلق، ورواية أخرى بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها )
ومن الواضح أن ( إنما ) تفيد الحصر، ومنه يعلم أن الهدف من بعثته يتلخص في تكميل محاسن الأخلاق.
ورد في الحديث عن الرسول جعل الله سبحانه مكارم الأخلاق صلة بينه وبين عباده فحسب أحدكم أن يتمسك بخلق متصل بالله.
وقال الرسول لجرير بن عبد الله: لقد حسن الله خلقك فاحسن خلقك الإسلام حسن الخلق.
وقال الرسول : ما من شيء في الميزان اثقل من حسن الخلق، وقال خياركم أحسنكم أخلاقا الذين يألفون ويولفون، وقال عنوان صحيفة المومن حسن خلقة.
ومن هنا فالإسلام يحض على الأخلاق الحسنة والتمسك بها، ونهى عن الأخلاق الذميمة والبعد عنها، لذا كان التنبيه على أن الإسلام ينفي التلوث الخلقي فمجتمع بلا أخلاق يساوى بناء بلا أساس)
نفي الإسلام للتلوث الخلقي:
وهي حقيقة ومسلمة تفرض نفسها، وتملى علينا أن نراجع أنفسنا فيما ندرس وفيما نعلم وفيما نتصرف، والتربية سلوك قبل أن تكون مجرد معلومات نرددها دون فهم وتطبيق.
ومع كل يوم يمر علينا نجد وسائل الإعلام تطالعنا بنشر جرائم مختلفة بعضها يتمثل في التعدي على البيئة في صور مختلفة ( منها ما يتعلق بتهديد صحة المواطنين ويهدد الأمن القومي ) والسؤال لماذا كل هذا والإجابة مرجعها إلي غياب الضمير وغياب الخلق وتلوث الخلق هو الأساس في كل ما يحدث من مخالفات وحتى تتضح الحقيقة علينا أن نعرض لكم أبعادها.
يعد التلوث الخلقي من أخطر أنواع التلوث على الإطلاق، ذلك لأن مسألة السلوك الأخلاقي تعد بمثابة الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي نشاط إنساني، فهي القوة التي تنظم الحياة الاجتماعية من كل جوانبها التعبدية والتعاملية، ومن هنا فإن افتقاد الإنسان للسلوك الأخلاقي الطيب، ينعكس وبصورة سلبية على تعاملاته فربما يكون سببا في إحداث أي نوع من أنواع التلوث في البيئة التي يعيش فيها، ولأن البيئة النظيفة تحتاج إلى إنسان لديه من القيم الخلقية ما يجعله يغار على تلك البيئة ويسعى جاهدا للمحافظة عليها،باذلا جهده ووقته وماله من أجل خدمتها والدفاع عنها.
مما سبق يتضح لنا أن معيار الاهتمام بالبيئة يتمثل بالدرجة الأولى في وجود مجموعة من القيم الخلقية التي يتمثلها الإنسان ويعبر عنها في سلوكه، وعلى سبيل المثال فإن قيمة النظافة تجعل الإنسان يمتنع عن إلقاء المخلفات في الشارع أو في أي مكان من الأماكن الغير مخصصة لإلقاء تلك المخلفات، وهو على قناعة بما يفعل.
كذلك فإن الصدق كقيمة وفضيلة من الفضائل الهامة التي يتمثلها الإنسان تجعله لا يكذب أبدا مهما كانت الظروف والمبررات إلا في المواقف التي سمح فيها الشرع بالكذب والتي حددها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهى ( الإصلاح بين المتخاصمين، وفى الحرب، والرجل على زوجته لتدوم العشرة بينهما ). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد "أن رسول الله خطب فقال: ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين اثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها".
وعن أهمية الخلق فقد أشاد الإسلام بالخلق الحسن ودعا إلى تربيته في المسلمين وتنمية نفوسهم، وفى ذلك نجد الحق تبارك وتعالى قد أثنى على النبي بحسن خلقه فقال: ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ القلم: ٤
أخرج أحمد وابن حبان عن ابن عمرو "أنه سمع رسول الله يقول: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: أحسنكم خلقا".
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني بسند جيد عن أنس قال: "لقي رسول الله أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله قال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلها".
إن الأخلاق الإسلامية عنوانها الرحمة، الرحمة من الإنسان لأخيه الإنسان، والرحمة من الإنسان للحيوان فلا يجهده، أو يحمله فوق طاقته، وقصة المرأة التي نص عليها الحديث على أنها عذبت بهرتها مشهورة، فهي لم تطعمها ولا تركتها تأكل من خشخاش الأرض. والرحمة تكون من الإنسان للطبيعة فلا يعبث بثرواتها التي هي خيرات أمده الله بها. ويكفى أن نعلم بأن عدم التفريط بالثروة وصل لدرجة عدم الإسراف بالماء عند الوضوء حتى لو كان المسلم يتوضأ من ماء نهر جار، والرحمة مطلوبة أيضا من الإنسان لنفسه، فلا يطلب منه أن يحمل مالا يطيق، فالقاعدة ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﰎ ﭼ البقرة: ٢٨٦
إن الحاجة تبدو ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى للالتزام بالخلق الإسلامي من أجل الخروج بالبشرية كلها إلى ساحة الإنقاذ بعدما أفسدت الفلسفات الوضعية ذات المنحى المادي القيم في معظم الأمم المعاصرة، وشوهت صورة الأخلاق مما جعل الناس يتخبطون بما نراه اليوم من فساد، وانتشار للرذائل، وانهيار شامل في القيم والمثل.
ولقد جاءت الأديان كلها بالدعوة إلى الإعداد الخلقي للنّاس، وجعلته على قمة أهدافها التوجيهية والتربويّة، وقد أكّد الرسول هذا المعنى في قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
وأهمية الإعداد الخلقي للشباب أنّ الأخلاق مجالها الحياة كلّها، وسلوك الإنسان كلّه، وعلاقاته بربه وبنفسه وبالآخرين؛ بل وبالمخلوقات كلها.
فالإعداد الخلقي للشباب هو الذي يجعل من الصفات الحسنة، كالصدق والأمانة، والإخلاص والوفاء، والشجاعة والعفة، والمروءة والعدل وغيرها عادات في سلوك الشباب وحركته الدائبة، كما تجعله نافراً في سلوكه اليومي من الصفات السيئة، كالحسد والحقد، والخيانة والكذب، والظلم والغدر وغيرها، وبهذا الإعداد يتجنب الشباب مظاهر غير مرغوبة في السلوك الإنساني، كالحمق والتكبّر، والصلف والتهور، والخوف والجزع، وقبول الذل والمهانة، والخشونة والغلظة في معاملة المؤمنين.
إن المتأمل في واقع المجتمع في العصر الحالي ليلمس وبكل سهولة مدى التدهور الأخلاقي وانعدام العديد من القيم التي كانت تميز ذلك المجتمع، حيث نرى انتشار الكذب بصورة كبيرة وانتشار الرزيلة، بل لقد أصبح الحياء عملة نادرة، وانتشر التهور بين جموع الشباب، وغاب التوقير والاحترام داخل الأسرة، وتقطعت الأرحام، وقل الإخلاص..الخ من المظاهر التي تعبر عن التدهور الأخلاقي.