الاستاذ الدكتور محمد السيد شحاته
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاستاذ الدكتور محمد السيد شحاته

لايعرف الحق بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف اهله
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي أنتقل الي رحمة الله تعالي الي الرفيق الاعلي فضيلة الاستاذ الدكتور محمد السيد شحاته وذلك يوم الاربعاء الموافق 21/11/2012

 

 الملف الثاني من المحاضرات الكاملة من الثالثة إلى السادسة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د محمد
Admin



عدد المساهمات : 87
تاريخ التسجيل : 08/02/2011

الملف الثاني من المحاضرات الكاملة من الثالثة إلى السادسة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف  Empty
مُساهمةموضوع: الملف الثاني من المحاضرات الكاملة من الثالثة إلى السادسة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف    الملف الثاني من المحاضرات الكاملة من الثالثة إلى السادسة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف  Icon_minitimeالأربعاء أبريل 18, 2012 10:12 am

إثبات صفة القيام بالنفس لله 
ومعنى القيام بالنفس أي الاستغناء عن الغير، وهو ما اتفق عليه العلماء، فالله تعالى قائماً بنفسه أي مستغن عما سواه، ويتضح هذا الاستغناء في كونه الخالق القديم، فلو أنه لم يكن مستغنياً عما سواه وكان محتاجاً إلي غيره، فمن أعطاه الاحتياج في القدم، ومن ساعده في إيجاد الخلق، كما أن القيام بالنفس ينفي الوحدانية، لأنه يثبت وجود ذاتين أو أكثر، وهذا محال، وبناء عليه قرر العلماء دليل هذه الصفة بقولهم: أنه تعالى لو لم يكن قائماً بنفسه، لكان محتاجاً إلى الغير في مساعدته في أمور يرتضيها، وهذا ينفى الخالقية والقدم، لكنه تعالى ثبتت له الخالقية والقدم، فانتفى كونه محتاجاً إلى الغير، وثبت كونه قائماً بذاته.
إثبات صفة الوحدانية لله 
عرفها العلماء بأنها إفراد الخالق بالعبادة دون ما سواه، وجعلها البعض هي النتيجة الحتمية للصفات السلبية، فهي الأصل الذي جاء الأنبياء يدعون إليه، لأنه لم يحدث خلاف في وجوده تعالى، إنما حدث الخلاف في وحدانيته، وعليه فقد رأينا أن الفرس عنوا بإلهين اثنين، وعنى النصارى بثلاثة، وعنى غيرهم بأربع، وعنى المصريون القدماء بالتاسوع المقدس، وعنى الهنود بالسابوع المقدس، ثم أشركوا مع الله غيره، فتارة تجد زرادشت، وتارة تجد براهما، وتارة تجد أهوارمازدا، وتارة تجد بوزا، وتارة تجد المسيح، وتارة تجد العزير، ولو شئت أن تبحث في المسألة فلن تنفض يداً من وجود إشراك وتشريك، حتى جاءت الشريعة الإسلامية، وجاء الرسول محمد ، وانتفضت الداعية الرسالية الفطرية لتحرك المشاعر، وتعقل العقول، وتستلفت الأنظار إلى أن الله تعالى واحد وهو الخالق ليس غيره، وعليه فمن صفاته أنه قديم، والقدم لذاته بالوحدة، وتفرده بالبقاء للوحدة، وكذا كل صفات السلب التي جاءت للتخلية، يعقبها صفات الإيجاب التي تأتي للتحلية وإضافة الكمالات.
والدليل على الوحدانية، اتفق العلماء على أن أدلة النقل كثيرة منها قوله تعالى ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ الإخلاص: ١ وقوله تعالى ﭽ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ البقرة: ١٦٣ وقوله تعالى ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ الأنبياء: ٢٢ وعلى هذا الأخير نظر العلماء إلى فرض دليل العقل المسمى بدليل التمانع وهو أنه لو فرضنا أن هناك إلهين مستجمعين لشرائط الألوهية، فإما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا بمعنى أن أحدهم يخلق زيداً، والآخر لا يخلق زيداً فمعناه أن القائم بالخلق هو القادر، والغير خالق هو العاجز، وعليه فلا يتم الاتفاق لأن أحدهما هو الإله والثاني مألوه لا إله، ولو اختلفا: بأن يخلق أحدهما زيداً والأخر يفني زيداً فمعنى هذا أما إمضاء قوة أحدهما فيبقى إما العدم الصرف أو الوجود الصرف، وعليه يثبت الضعف والعجز في الثاني، أو يمضيا ما أرادا معاً، ومعناه عدم وجود خلق إذ كيف يجتمع الأمر ونقيضه في آن واحد، وبالتالي يثبت عجزهما معاً، وبالتالي لا يكون شيء في العالم موجوداً، وعليه فلا وجود، لكنا نرى الموجودات، ورأينا العالم وما فيه من نظام بديع يشهد بحسن التدبير، ويشهد بإبداع الخالق، فثبت أن الخالق واحد دون ما سواه.
وإثبات الوحدانية أكبر رد على المثلثة والمثنية وغيرهم، فكلامهم إن صح في جانب المخلوق حيث لا يتصور وحدته، لكنه باطل في حق الخالق الذي شهدت الخلائق له رباً واحداً، وفي الرد على النصارى نقول:
أعباد المسيح لنـا سؤال نريد جوابه ممـــن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فهل هذا إلــــــــه
فواعجباً لقبر ضم ربــاً وأعجب منه بطن قد حواه
أقام هناك تسع من شهور لدى الظلمات من حيض غــذاه
وشق الفرج مولود صغير ضعيف فاتح للثدي فــــاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي بلازم ذاك فهـــــل هذا إله
تعالى الله عن إفك النصارى سيسئل كلهم عما افتـــــــراه
وعليه فإنا نرفض ما ذهب إليه بعض غلاة الشيعة والصوفية الذين قالوا بوحدة الوجود، وأنه لا موجود إلا الله، وبهذا فكل ما عداه خيالات وظلال وأشباح، وهذا يعني أن وجودنا ظلياً لا حقيقياً، ويعني أن ما يحدث أمامنا من أفعال الشبحية لا من أفعال الإنسانية، وهذا غلو وتفريط، وكذا الرد على الزاعمين بالحلول والاتحاد، فقولهم بأن الله يحل في البشر مثلما يحل في الأئمة عند الشيعة، ومثلما يحل في الأقطاب عند بعض غلاة الصوفية، ومعلوم أن الحلول معناه أن ذاتاً تحل على ذات فتتلبس بها، وهو أمر مرفوض عند العقل، إلا أن تكون أحد الذاتين ليست جسماً، كما يداخل الجن بعض الناس، وقد حصل في تصديق هذا ومنعه اعتراضات كثيرة، ذهب البعض إلى أنه لا يداخله، لامتناع تداخل المتحيزين، وإنما يتحكم فيه بالوسائط مثلما يتحكم الإنسان بالريموت كنترول في التلفاز، وكذا القول بالاتحاد، فذهبوا إلى أن الذاتين يتحدان، ومعنى ذلك أن تتحد ذات الله بذات العالم مثلاً، فهو يجعل الله في الخرابات، ودورات المياه والأماكن النجسة،(تعالى الله عما يقول المبطلون علواً كبيراً) ولم يفقه هؤلاء أن المسألة أعم من ذلك فالأرض نقطة زرقاء باهتة في الكون، فقد عجزت عقولهم عن تصور الكون وسعته التي لا حدود لها، ولا يستطيع الإنسان أو مؤسسات التكنولوجيا مجتمعة أن تدلنا على هذه السعة، وإنما كل ما يفعله العلماء أكثره ضرب تخمين وظنون، ومع هذا فما يزال الغموض لاحقاً للكون.
وبهذا فالرد على النصارى، والحلولية والاتحادية والمجسمة، من أخص دليل لإثبات وحدانيته تعالى، وبناء عليه فمن تمام الوحدانية: تنزهه تعالى عن التركيب، وعن الأبعاض، وعن الأجزاء، وعن الاحتياج، لأن هذه الأمور كلها تفضي إلى التعدد، والتعدد مناف للوحدانية، ووحدانيته تعالى لا شك فيها، بل هي ثبات مطلق الاعتقاد، وإن ما يحدث في العالم من اضطرابات ومشاكل إنما هو من جراء عدم الإيمان بالوحدانية، فظنوا أما انتفاء الإله أو أن مسائل الاعتقاد نظريات تقبل الجدل والكساد، وتقبل الصحة؛ لكن الصحة عارية عن التصديق.

المحاضرة الثالثة :
مباحث في إثبات الصفات المعاني لله 
درج المتكلمون علي تقسيم صفات الله تعالي إلي أربعة أقسام:
1- صفات نفسية. 2- صفات سلبية.
3- صفات معاني. 4- صفات معنوية.
أما النفسية فعرفوها بأكثر من تعريف قال إمام الحرمين:إنها كل صفة إثبات لنفس باقية ما بقيت النفس غير معللة بعلة قائمة بالموصوف." وقال صاحب إتحاف المريد:"هي صفة ثبوتيه يدل الوصف بها علي نفس الذات دون معني زائد عليها ككون الجوهر جوهراً وذاتاً وشيئاً موجوداً." وقال أحد الباحثين: إنها الحال الثابتة للذات ما دامت الذات غير معللة بعلة." وأخذه من ابن عرفه الدسوقي.".
والحق أنها كلها تفيد معني واحداً، وهو أنها صفة ثبوتية لازمه بثبوتها للذات ليست معللة في ذلك الوصف للذات، فهي من أخص صفاتها.
وأما صفات المعاني:
المعاني: جمع معني وهو: ما قابل الذات.
ومن ذا فالحق أن لفظة المعنى تطلق ويراد بها في عرف اللغة إطلاقات كثيرة منها:
أولاً: تطلق ويراد بها المقصد. ثانياً: تطلق ويراد به التعب.
ثالثاً: تطلق ويراد بها الغاية. رابعاً: تطلق ويراد بها الاهتمام أو الأهمية
خامساً: تطلق ويراد بها النـزول.سادساً: تطلق ويراد بها المعاناة والمقاساة
وفي كل إطلاق من هذه الإطلاقات يتضح لنا صلة وثيقة بما نحن بصدده، غير أن الوقوف على الإطار اللغوي لا يعني فهم الراد كله من اللفظة المرادة، فكان لابد من الوقوف على الناحية الاصطلاحية.
وفي الاصطلاح أنها: كل صفة قائمة بموصوف موجبة له حكماً ككونه قادراً فإنه لازم للقدرة.".
وعددها سبع: العلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والحياة والكلام، وإنما سميت بذلك لأن كل صفة منها تدل علي معني زائد علي ذاته تعالي وهي ما تسمي بالصفات الوجودية، وذلك لتحققها باعتبار ذاتها، كما تسمي بالذاتية وذلك لعدم انفكاكها عن الذات، وتسمي بصفات الإكرام، وكذا تسمي بصفات الثبوت، وهكذا.
ولقد حدث في هذا النوع الاختلاف الطاغي بين أهل السنة والمعتزلة لحد أن وصل الأمر إلي التبديع والرمي بالكفر والزندقة، وانبثق هذا الأمر من جراء التحليل الاصطلاحي والمقصود من صفات المعاني.
فالأشاعرة والماتريديه والبخاريين يقولون بزيادتها علي الذات؛ لكنها ملازمة للذات، وذلك للفرق بين صفات الذات وصفات الفعل، ثم حدث اختلاف بين الأشاعرة وغيرهم من الماتريدية في اعتبار أن صفات الفعل قديمة أو حادثة، وهو تفصيل سنراه عما قريب.
والقول:بكون صفات المعاني زائدة علي الذات أثار حفيظة المعتزلة فدفعهم إلي القول: بأن ما ذهب إليه الأشاعرة هو عبارة عن تعدد القدماء، وهو محال عقلاً، فالله تعالي واحد إذ لازم كلامهم يشير أن الله القادر غير الله العالم غير الله المريد، وهكذا تنقلب الصفات ذوات شأن النصاري في الأقانيم باعتبارها شخصيات منفصلة متمايزة.
ومن هذا الاعتراض ذهب المعتزلة إلي القول بأن صفات المعاني عين الذات وليست زائدة علي الذات، فالله عالم بذاته، قادر بذاته، مريد بذاته، حي بذاته، فالأمر كما يقول الشهرستاني:"صفات قديمة ومعان قائمة به، لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الألوهية."
ويمكنني القول بأن موقف المعتزلة هو بذاته موقف الفلاسفة بحيث يتحقق القول بأن أحدهما تابعاً والآخر متبوعاً، ونظراً لقدم المعتزلة زماناً علي الفلاسفة المسلمين، فالمذهب الاعتزالي يعتبر أصلاً لما ذهب إليه ابن سينا وغيره من نفي اعتبار كون الصفات زائدة علي الذات.
وأنه ما ذهب المعتزلة إلي ذلك إلا خشية أن يلحقهم القول بتعطيل بعض الصفات عن أعمالها إذا قيل بزيادتها علي الذات، فسبة التعطيل قد مثلت جانباً من الخوف العقدي في الفكر الاعتزالي خاصة مع ظهور جهم وأصحابه، حيث روعهم هذا الأمر لدرجة جعلت لأعلامهم قلقاً شديداً، ومن ثم اتجهوا إلي إثبات الصفات لكن ليس أسماء صفات، وإنما علي أنها أوجه أو اعتبارات للذات.
والمعتزلة لم ينـزعوا إلي ما ذهبوا إليه إلا بالاعتبار الدفاع الإيماني عن العقيدة ومحاولة منهم للوقوف أمام المغرضين من النصاري وأشباههم؛ لكن يؤخذ عليهم مبالغتهم الشديدة في الخوض في هذه الأمور، لدرجة أوقعتهم في الاضطراب حتي غالي بعضهم في نفي الصفات إلي حد القول: بأن كل من اثبت الصفات مجسم باعتبار أن الصفات لا تقوم عندهم إلا بجسم.
وحاول ابن تيميه كشف عوار مذهب المعتزلة فقال:"إنهم إذا قالوا إن الله منـزه عن الأعراض ولم يكن في ظاهر العبارة ما ينكر؛ لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منـزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض من الأمراض الأسقام ولا شك أن الله منـزه عن ذلك، لكن ليس هذا مقصودهم، إنما مقصودهم إنه ليس له علم ولا قدرة ولا كلام ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضاً.
وكذلك إذا قالوا: إن الله منـزه عن الحدود والأحياز والجهات أوهموا الناس أن مقصودهم أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات وليس هذا مقصودهم، إنما مقصودهم:إنه ليس له عرش ولم يعرج إليه، ولا يجب أن ترفع الأيادي إليه في الدعاء.
وإذا قالوا إنه ليس يجسم أوهموا الناس أنه ليس له من جنس المخلوقات ولا مثل أبد أن الخلق، وليس هذا مقصودهم، إنما المقصود لديهم أنه لا يري، ولا يتكلم بنفسه، ولا تقوم به صفة وأمثال ذلك.".
وقد ألزمهم الجويني قبلاً بما فروا منه فقال:"إننا لو رجعنا إلي تأويل المعتزلة لوجدناهم يعترفون بأنه تعالي قادر بذاته، حي بذاته، عالم بذاته، فكأن اعترافهم هذا ما هو إلا اعترافاً بأن ذاته تعالي مستلزمة لأن يكون له قدرة وحياة وعلم.
فالعلم ليس إلا كونه عالماً، إذ يمتنع ضرورة أن يكون من لا علم له عالماً، وأن يكون من لا قدرة له قادراً، وأن يكون من لا حياة له حياً، إذاً فالخطب يسير، والقضية قريبة المدرك، لأن محصول كلام المعتزلة مؤد إلي إثبات العلم للعالم، وسبحان من أغوي المعتزلة حتى اعتقدوا نفي العلم وغيره مع أن ما اعترفوا به هو عين ما أنكروه.".
وإذا كان محصول كلام المعتزلة هو عين ما أنكروه، فما هي النظرة الحقيقية لصفات المعاني من وجهة نظر أهل السنة؟
يقول الأشاعرة:" إن صفاته تعالي ليست عين ذاته، وليست غير ذاته، فلا يقال: إنها محتاجة لذاته لأنها ليست غيرها حتى يلزم احتياجها لما يغايرها، وكذلك لا يلزم تعدد القدماء؛ لأن هذه الصفات ليست غير الذات وليست عين الذات لأن مفهوم الصفة غير الموصوف أي أن صفات المعاني ليست هي عين الذات ولا غير الذات فلا هو ولا هي غيره."
وأوضح ابن الحفيد الشافعي معني لا هي هو ولا هي غيره قائلاً: إن لا هي هو بحسب المفهوم، ولا هي غيره بحسب الهوية.".
أما المعنوية:فهي لازمة للسبع الأولي وعرفت بأنها: الحال الثابتة للذات ما دامت المعاني قائمة بالذات.".
وعلة تسميتها بهذا الاسم، ذلك أن الاتصاف بها فرع من الاتصاف بصفات المعاني، فإن اتصاف محل من المحال بكونه عالماً، أو قادراً، لا يصح إلا إذا قام به العلم والقدرة وهكذا.
فصارت صفات المعاني عللاً لهذه أي ملزمة بها، فلهذا نسبت هذه إلي تلك فقيل معنوية، وهي: الكون عالماً، الكون قادراً، الكون مريداً، الكون حياً، الكون سميعاً، الكون بصيراً، الكون متكلماً.
الكلام في إثبات الصفات المعاني السبع
أولاً :في إثبات صفة القدرة لله 
من المعلوم أن صفات المعاني أو الصفات الثبوتية أو الصفات الإيجابية، كما تقرر لدى العلماء، سبع صفات أولها القدرة، وصفات المعاني متلازمة، وابتدأ المصنف بصفة القدرة، ولفظ القدرة يدل في اللغة على القوة والاستطاعة، وفي الاصطلاح: صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه على وفق الإرادة، وهذا التعريف رسم لا حد، وكذا سائر التعريفات، لأن التعريف بالحد لا يتأتى إلا بالإحاطة بالمعرف وأوصافه كاملة، ولا يستطيع أياً من البشر تحديد ذلك بالنسبة لله تعالى، وعلى ذلك فالقدرة لا تتعلق إلا بالممكن فقط، والممكن هو القابل للوجود والعدم، وعليه فالممكنات ما يحمل الكيف، والكم، وما يحمل الصفات المتضادة، وما يحمل معنى الجهة ومعنى الزمان ومعنى المكان، وللقدرة الإلهية تعلقات وصفها العلماء بثلاثة تعلقات: الأول تعلق صلوحي قديم، بمعنى صلاحية القدرة للوجود والعدم قديماً، وتنجيزي قديم وهو ما يفيده معنى تعلق القبضة ومعناه: أن الممكن في قبضة الله تعالى أي قدرته فإن شاء أبقاه على عدمه، أو ثبته على وجوده، كما ان القدرة تتعلق بإيجادنا بالفعل بعد العدم السابق لنا، وكذا بإعدامنا بالفعل بعد وجودنا، ثم يكون التعلق الثالث وهو التنجيزي الحادث، وهو وجودنا في الواقع والحقيقة بعد عدمنا.
وعلى العموم فإذا تعلقت القدرة الإلهية بوجودنا صار الوجود نافذاً فثبت الوجود، وإن تعلقت بعدمنا قبل قبل وجودنا صار العدم نافذاً ولا يتحقق الوجود، وإن تعلقت القدرة بعدمنا بعد وجودنا تحول الموجود إلى معدوم، وكذا لو تعلقت بوجودنا بعد العدم صار التحول موجود وليس بمعدوم، وهذا كله استناداً لطلاقة القدرة الإلهية في الإيجاد والإعدام، ولا حاجة للنظر في مشاكل تتعلق بالمستحيل العقلي أو المستحيل الوجودي ونتحدث هل يقدر الله عليها كما ورد في ثنايا كتب الكلام، فهذا لا يجب إلفات العامة إليه، حتى نؤثر بالعقيدة في قلوبهم ونستطيع التأثير بها على قلوبهم، أما ما يثار في كثير من كتب الكلام من الشبهات القادحة في العقيدة هي من الدخيل في العقيدة ويجب تنقية كتب العقيدة عنها، أو التنبيه عليها حين التحقيق، ومن الدخيل ماذهب إليه الشعراني عن ابن عربي أنه تعالى لا يقدر على خلق المحال عقلاً، وأنه دخل الأرض المخلوقة من بقية خميرة وطينة آدم ، وأيضاً ما شنع به السنوسي أو ورد عند ابن حزم الظاهري من قوله: الله قادر على أن يتخذ ولداً وإلا وصف بالعجز، اما ما كان من قبيل التندر والحكاية كما جاء عن إدريس وإبليس أن إبليس سال إدريس هل يستطيع الله أن يدخل العالم في هذه البيضة، فنخسه إدريس باإبرة في عينه ففقأها ثم قال له: إن قدرة الله لا تتعلق بالمحال ولكن يوسع البيضة حتى تسع العالم، فهذا من قبيل التندر بالحكايات ولها معنى يفيد أو مثل رائع يضرب فلا بأس به، وعليه فأدلة القدرة الإلهية تقع إما بالدليل النقلي، وهو ﭧ ﭨ ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ البقرة: ٢٠ وكذا الآيات المثبتة للخلق والإيجاد، وهي كثيرة، وكذا أدلة العقل ومنها: أنه تعالى لو لم يكن قادراً لكان عاجزاً ولو كان عاجزاً لما استطاع أن يخلق هذا الكون بترتيبه وتنظيمه وإبداعه؛ لكن العالم منظم مرتب بديع بالمشاهدة، فدل ذلك على أن خالقه ومبدعه موصوف بالقدرة التي لا تتناهي، وهو المطلوب، فبناء على قانون الخلق تظهر آثار القدرة فيصح اتخاذ دليل الخلق دليلاً على القدرة، كما يصح أن يتخذ من دليل التنظيم والإبداع والاختراع أدلة على ثبوت القدرة الإلهية فافهم ترشد.

إثبات صفة الإرادة الإلهية
نثني بالحديث عن صفة الإرادة، ومعلوم أن الإرادة تنفي الإكراه والجبر، وتحقق الرغبة والميل، وهي في اللغة مطلق القصد، وتطلق في الاصطلاح على أنها صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى يخصص بها الممكنات ببعض ما يجوز عليها من الصفات المتقابلة.
والصفات المتقابلة كما ذكر المتكلمون مجموعاً في هذين البيتين:
الممكنات المتقابلات وجودنا والعدم الصفات
أزمنة أمكنة جهات كذا المقادير روى الثقات
فكل وصف يوصف بالقدار ممكن، وكل وصف فيه تقابل ممكن، وما يحمل الوجود الحادث ممكن، وما يحمل الإمكان الحادث ممكن، وما يحمل صمة الوصف ممكن، وما يحمل معنى الزمان ممكن، وما يحمل معنى المكان ممكن، وما يحمل معنى الجهات ممكن، وكذا ما يحمل معنى المقدار.
والقول بأن صفة الإرادة قديمة يحمل في طياته الرد على الكرامية القائلون بأن الإرادة صفة حادثة، بل يرد كذلك على ضرار من المعتزلة القائل بأن الإرادة نفس الذات، وكذا في الرد على الجبائي القائل بأنها صفة قائمة لا بمحل، والرد على النجار من المعتزلة القائل بأنها صفة سلبية، وعليه فقد فسرها بكونه ليس ساهياً أو مكرهاً، وفيه رد على الكعبي القائل بأن الإرادة هي العلم وتابعه في هذا معتزلة بغداد، والدليل على ثبوت صفة الإرادة لله تعالى: أدلة نقليه وأخرى عقلية، والنقلية كثيرة منها قوله تعالى ﭧ ﭨ ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯮ ﭼ القصص: ٦٨ وكل دليل يصح رؤيته من منظور المشيئة والإرادة يصح الإستدلال به على ثبوت صفة الإرادة، والدليل العقلي على ثبوت هذه الصفة لله تعالى هو: أنه تعالى لو لم يكن مريداً لفعله لكان مجبوراً ومكرهاً عليه، وهنا يفترق الطريق فإما أن ندور في الدور والتسلسل الباطلان، أو نرجع إلى وجود موجود غير مكره ولا مجبور، وكذا لو لو تثبت إرادته لثبت الضد المناوئ القديم أو الحادث، وكذا كله رد للوحدانية، وكذا رد للقدرة، وكل ما يقوم برد هذه الصفات مردود لثبوتها عقلاً ونقلاً.
والإرادة الإلهية تغاير الأمر فليست الإرادة الأمر الإلهي، وكذا تغاير العلم، وكذا تغاير الرضا، وكل واحدة من الثلاثة لها مغزى مفاد، أبان هذا الأمر مناظرة وقغت بين الاستاذ الاسفراييني وعبد الجبار في منزل الصاحب بن عباد، حيث دخل القاضي عبد الجبار على الأستاذ الاسفراييني في منزل الصاحب فقال له: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال الأستاذ: سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء، فقال عبد الجبار أفيريد ربنا ان يعصى؟ فقال الأستاذ: أفيعصى ربنا كرهاً؟ فقال عبد الجبار أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردي أحسن أم اساء، فقال الأستاذ: إن منعك ما لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له فسبحانه يختص برحمته من يشاء، وفي هذه الحكاية دلالة على أن إرادة الله تعالى هي السابغة؛ لأن كل ما للمخلوق منسوب في الأصل إلى الخالق ومراد له.

الاختلاف في نسبة الشرور والمعاصي لله تعالى
وقد اختلف العلماء في نسبة الشرور والمعاصى إلى الله تعالى، والراجح القول بذلك لكن في مقام التعليم، وفي غير ذلك: لا تأدباً مع الحضرة الإلهية، فلا تقول مثلاً داعياً الله تعالى: اللهم يا خالق القردة والخنازير ارزقني، مع كونه خالقاً لهما وأنت معتقد بذلك؛ لكن التأدب مع ذات الحضرة الإلهية يفرض الدعاء بالحسن الجميل المقبول.
وكون الإرادة مغايرة للأمر، فهي ليست عين ذات الأمر، ولا مستلزمة له، ونوع العلماء في الكلام فقالوا: يريد ويأمر، كإيمان من علم الله منهم الإيمان، ولا يريد ولا يأمر، ككفر هؤلاء، وقد يأمر ولا يريد كإيمان هؤلاء الكفرة، وقد يريد ولا يأمر، كالكفر الواقع من المؤمنين، وهكذا فالأقسام أربعة، وفيه رد على المعتزلة القائلون بإن إرادته لفعل غيره الأمر به، فالفرق واضح بين الأمر النفسي واللفظي، والخلاف في الأمر النفسي وهو اقتضاء فعل ليس بكف.
وأما كون الإرادة تغاير العلم ,فيه رد على الكعبي ومعتزلة بغداد الذين يقولون بإن إرادة الله تعالى لفعله علمه به، ولفعل غيره أمره به، قلنا هذا مردود لأن العلم انكشاف لا تخصيص، والفرق واضح فافهم.
وكذا مغايرة الإرادة للرضا، فليس كل مراد مرضي عنه، فالله تعالى (لا يرضى لعباده الكفر ) ومع ذلك أراده، وهذا هو الثابت عند الأشاعرة، وإن كان للماتريدية نوع تفصيل.
الكلام في إثبات صفة العلم لله تعالى
والصفة الثالثة من صفات المعاني وهي صفة العلم الإلهي، والعلم يفوق المعرفة في الحقيقة إذ يصح وصفه تعالى بكونه عالم ولا يصح وصف تعالى بكونه عارف، لأن المعرفة فيه نوع تسطيح أو مجرد حصول الأمر بالنظر أو التصور دونما حكم، أما العلم فيحمل سمة اليقين، وقد حدث خلاف في مسألة العلم بين المتكلمين والفلاسفة صور هذا الخلاف الإمام الغزالي في التهافت، وهي من المسائل الثلاث التي كفر بها الغزالي الفلاسفة لقولهم إن الله تعالى يعلم الجزئيات بعلم كلي لا يقع تحت الزمان، وحجتهم في ذلك رفع التبدل والانتقال، وهي مسألة مبسوطة فارجع إليها في مظانها، والعلم صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى بها ينكشف الموجود انكشافاً تاماً لا يسبقه خفاء أو جهل. وفي هذا بيان لتعلق العلم الحقيقي، فالعلم يتعلق بالموجودات على تمامها، واجب وجائو ومستحيل، وليس كالإرادة والقدرة فإنهما يتعلقان بالجائز فقط، والعلم الإلهي ليس بمكتسب من الحادثات فيعلم الله الأشياء بعد وجودها، وإنما يعلم الأشياء بعلمه القديم قبل وجودها، أما العلم المكتسب فهو العلم الحادث، وفرق المصنف بهذا بين العلم القديم والعلم الحادث، على أساس إشارة حقيقة لوجود الفرق في أشياء اخر، ومن ثم فيجب التفريق بين حقيقة الانكشاف المقصود بها العلم وحقيقة القدرة، فيقول الإنسان مثلاً حينما يذنب ذنباً: إن هذا في علم الله تعالى، ولم يعلم أن هذا تجني، فالعلم لا ينجز، وإنما يكشف، والقدرة إنما تنجز، فالاعتذار بالمعصية لوجودها في العلم جهل لا يعذر به القائل، ومع هذا لا يمكننا وصف علم الله تعالى بكونه مكتسب، ولا بكونه ضروري، ولا بكونه بديهي، ولا بكونه نظري، والسؤال الآن بماذا نصف العلم حينئذ؟ أقول إنه علم الله القديم المتعلق بكل معلوم تعلق انكشاف وبيان لا يسبقه خفاء أو جهل، وهو الحق الواجب اتباعه فاتبع سبيل الحق واترك الريب والشبه، وتمسك بمقولات أهل السنة في ذلك ودعك من مقولات المعتزلة النافين لصفات المعاني وقولهم: إنها نفس الذات وليست معنى زائد على الذات، وهو ما لا يقبله أهل الكلام فافهم.
إثبات صفة الحياة لله تعالى
والصفة الرابعة من صفات المعاني وهي صفة الحياة، والحياة صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالي يصحح بها الوجود والعلم، وهي صفة لا تتعلق بشيء كما ذهب المتكلمون،وإنما خصصنا العلم بالحياة وذلك لارتباط العلم بالحياة القديمة، غير أن ارتباطها بالحياة الحادثة غير ملزم لجواز وجود حي مخلوق بغير علم كما في المجنون والحياة الحادثة وهي: كيفية يلزمها قبول الحس والحركة الإرادية، أي: هي عرض يلزمه قبول الإحساس وقبول الحركة الإرادية، والحقيقة أن الحياة تتعلق بالوجود كما هو الظاهر، ودليل الحياة من النقل قوله تعالى ﭽ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ آل عمران: ٢ وكل دليل من النقل يصح الاعتماد عليه في إثبات هذه الصفة، والدليل من العقل، أنه تعالى لو لم يكن حياً لكان معدوماً مفقود الذات والعين والأثر، وكل ما كان كذلك لا يصح أن يكون إلهاً، كما أن حياة الإله يتوقف عليها وجود الكائنات، وتنظيمها، وإبداعها وخلقها، وقد وجدت الكائنات ويستحيل وجودها بغير مكون ومنظم، فيستحيل حينئذ وجود المنظم المكون بدون حياة وإلا لكان جامداً، والجامد لا يعطي الحياة لأحياء، ولكن يحتاج إلى من يهبه الحياة، فلو كان جامداً لما أعطى؛ لكنه يحتاج أو يستحق، فلا تنطلي عليه الألوهية أو تسوغ له، فيصير الاحتياج عدماً، فتنعدم الألوهية، وبها ينعدم الوجود؛ لأن الموجودات في وجودها محتاجة لوجوده، ولو لم تكن له حياة لانعدمت القدرة والإرادة والعلم فلا يوصف بالقدرة من كان عدماً، ولا يوصف بالإرادة من ثبت موته، ولا يوصف بالعلم من كان جامداً محتاجاً، وقد ثبت أنه قادر ومريد وعالم فانتفى الضد وثبت أنه تعالي حي، كما أن الحياة صفة مصححة للوجود كما هو المتفق عليه، وحياته تعالى ليست بالآلات والأسباب وهذا فرق بين حياة الحادثات وحياته تعالى القديمة، ومن ثم فلا تتعلق بالشرائط كما حياة المخلوق.
الكلام في إثبات صفة الكلام لله تعالى
والصفة الخامسة صفة الكلام وأنها صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى ليست بصوت ولا حرف، منزهة عن التقديم، والتأخير، والحركة، والسكون، والإعراب، والبناء، ومنزهة عن السكوت النفسي، والعوارض والآفات، وخالف المعتزلة في ذلك فذهبوا إلى نفي صفة الكلام عن الله تعالى، وقالوا: إنها حادثة مخلوقة، فالله متكلم بمعنى: أنه يخلق الكلام في الأشياء، كما تكلمت العليقة لموسى ، وسمع موسى كلام الشجرة، ولم يسمع كلام الله تعالى وهكذا، وتبنى المعتزلة هذا الرأي بناء على جدالهم مع النصارى في قولهم بقدم المسيح، وذلك لأن النصارى استخدموا في إثبات عقيدتهم في قدم المسيح وأنه إله المنطق الأرسطي والقياس، فاحتجوا بهذا القياس هكذا: هل الله متكلم أم لا؟ فرد المسلمون بأنه متكلم، فقالوا: وما تقولون في كلامه، أقديم أم حادث؟ فكان الجواب، قديم، فقالوا: وما تقولون في المسيح؟ قالوا: كلمة الله، فقالوا: إذا كان كلام الله قديم، وكان المسيح على قولكم كلمة الله فهذا يعني أن المسيح قديم بنص قرآنكم، وأنتم تنكرون وجود قديم مع الله، بهذا يلزمكم القول بأن المسيح هو الإله؛ لأنه قديم، ولا قديم إلا الله، فالمسيح هو الإله، وبناء على هذا الإلزام لم يجد المعتزلة بد من القول بأن كلام الله حادث فقطعوا الإلزام؛ لكن يعاب على المعتزلة أنهم بعد أن قالوا بالإلزام اتخذوه عقيدة، وكان ينبغي أن يظل على الإلزام الجدلي لقطع جدال النصارى في القديم المخلوق، وبناء عليه قامت الثورة على كل من يقول بقدم كلام الله تعالى، واتخذها الخلفاء العباسيون زريعة لنشر مذهب المعتزلة تحت وطأة السياسة، ففرضوا على الناس القول بأن كلام الله حادث، وينبغي القول بأنهم ألزموا الناس ـ وقصدهم ـ القرآن الكريم، وحملوا المسألة أموراً لا تحتملها المسألة وابتدات المحنة الحقيقة، فمات فيها محمد بن نوح، وسجن فيها عيسى بن دينار عشرين سنة، وعذب فيها الإمام أحمد بن حنبل وسجن ولازم داره سنيناً ومنع من الفتوى، وسمع البخاري فاراً يقول اللهم اقبضني إليك غير مفتون فمات بعدها بثلاثة أيام، واستخدم فيها بعض العلماء المعاريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، فهذا الشافعي حينما سئل ما تقول في القرآن؟ فرفع أصابعه الأربعة إلى أعلى ثم اشار إليها وقال: أما التوراه والزبور والإنجيل والقرآن هذه الأربعة حادثة وكان في استخدامه المعاريض نجاته، ولما رفع المتوكل المحنة، ابتدا أهل السنة في الظهور على المعتزلة فقام أهل السنة بالنظر إلى المسألة بحيث جمعوا بين الآراء وقدموا الحل الوسط في هذا، فذهبوا إلى أن الكلام نوعين: كلام نفسي، وكلام لفظي، والكلام النفسي اتفق الجميع على القول بقدمه، واستندوا إلى كونه ثابتاً لا انتقاص منه ولا رد، وورد عن الشعراء العرب قولهم:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
وقالوا إن صفة الكلام واحدة لاتتعدد، لكن نظراً لاعتباريتها فمن حيث الطلب هي أمر، ومن حيث الترك هي نهي، ومن حيث القصة عن ماض هي خبر، ولها تعلق تنجيزي قديم، وتنجيزي حادث.
ومن ثم فكلام الله تعالى يطلق أصلاً على الكلام النفسي وهو قديم ويطلق على القرآن الكريم أنه كلام الله، ثبتت ذلك السيدة عائشة بقولها: ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى، فكلام الله يطلق بالاشنراك على النفسي واللفظي وهو حقيقي في النفسي مجاز في اللفظي، وأصل اللفظي دلالته وهذه الدلالة قديمة، والحروف والأصوات حادثة، ولا نغالي مثلما غالى جهلة الحنابلة فقالوا بقدم الغلاف والمداد، وإنما نقول اللفظ حادث دل على معنى قديم وهذا في باب التعليم، أما في باب الاعتقاد فنقول تأدباً مع الله تعالى القرآن كلام الله ولا نزيد، ولا ندخل في الاعتراض لأن الدخول في أمثال هذه الأمور موصل إلى الشك فالحكم على الظاهر وهو غير مراد.
والأدلة على ثبوت صفة الكلام لله تعالى قد بناها العلماء على الدليل النقلي كقوله تعالى ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ النساء: ١٦٤ وجرى خلاف بين الماتريدية والأشاعرة في كلام الله، والدليل العقلي وهو أن ضد الكلام الخرس والطفولية، فإن لم يوصف الحق بأنه متكلم للزم أن يوصف بأحد هذين الأمرين وهما نقص والنقص على الله تعالى محال.
الكلام في إثبات صفة السمع لله تعالى
والصفة السادسة من صفات المعاني صفة السمع وهي صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى تنكشف بها المسموعات انكشافاً تاماً يغاير الانكشاف بصفتي العلم والبصر، وعليه فالسمع يغاير العلم ويغاير البصر، إذ السمع يتعلق بالمسموعات، وهو يخالف السمع الحادث القائم على الآلات من الصماخ والأذن والأسباب المباشرة وغير المباشرة، وهو قوة مودعة في العصب المفروش في مقعر الصماخ تدرك بها الأصوات على وجه العادة، وذهب البعض إلى أنه يدرك بها غير الأصوات كما سمع موسى الكلام الإلهي وهو ليس بحرف ولا صوت، وحقيقة هذا الانكشاف بطريقة لا يعلمها إلا الله تعالى.
الكلام في إثبات صفة البصر لله تعالى
والصفة السابعة من صفات المعاني صفة البصر وهو صفة أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى تنكشف بها المبصرات انكشافاً تاماً يغاير الانكشاف بصفتي السمع والعلم، وبصره تعالى ليس بحدقة ولا أعصاب ولا رموش، ولا يحده حاد، ولا يرتبط بآلة، وإنما يدرك المبصرات فيدرك النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الملساء، ويعيها بحركاتها، كل ذلك بوضوح هي وكافة المخلوقات على التفرقة بينهم جميعاً، ويدرك الألوان والأشكال والرسوم، وهو في ذلك يخالف البصر الحادث الذي هو قوة مودعة مخلوقة في العصبتين المجوفتين تلاقياً صليبياً كما اتفق على ذلك العلماء في تخصصهم الطبي، وقد اتفق العلماء على ثبوت هذه الصفة لله تعالى، واستندوا في إثبات ذلك لأدلة عقلية وأخرى نقلية، فمن الأدلة النقلية قوله تعالى ﭽﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ الإسراء: ١، والدليل العقلي ( أنه تعالى لو لم يكن سميعاً بصيرا لاتصف بضدهما، وضدهما نقص والنقص على الله تعالى محال، فإذا انتفى الضد ثبت ضده؛ باعتبار أن الضدان لا يجتمعان وقد يرتفعان، وانتفاء الضد يفضي لثبوت الضد وضد العمى البصر، وضد الطرش السمع، وهو ما يجب إثباته لله تعالى.
وقد نوه المصنف على أن السمع والبصر والكلام لم يثبتوا إلا من طريق السمع وهو الآكد، أي أن هذه الصفات تثبت بالدليل النقلي وهو الأحرى، وإن ثبتوا من طريق العقل فمن باب التأكيد، وبهذا يرد على المعتزلة القائلين بعدمية صفات المعاني وأنها نفس الذات، وتغلغلوا في ذلك فأنكروا صفة الكلام، والسمع والبصر، وقالوا: إن تعلقهم بالمخلوق آكد، والسمع والبصر يرجعان إلى العلم ونوهوا على ذلك كثيراً، وهو مردود كما سبق البيان.


تعلقات صفة القدرة والإرادة والعلم
أثبت علماء الكلام من الأشاعرة والماتريدية أن صفة القدرة تتعلق بالممكن فقط دون الواجب والمستحيل، وذلك لأنها لو تعلقت بالواجب فإما على سبيل الإيجاد أو على سبيل الإعدام، وهذا مستحيل، وذلك لأنها لو تعلقت به على سبيل الإيجاد فالواجب هو الثابت الذي لا يقبل الانفكاك أصلاً لذاته بمعنى أن وجوده من ذاته لا من غيره، فيكون تعلقها به عبارة عن تحصيل حاصل وهو محال، لأنه لا يمكن أن يكون للإله ما يكون من العبث بالنسبة للبشر، ومحال أن تتعلق به على سبيل الإعدام؛ لأن الواجب لا يقبل العدم فيكون تعلقها به خلف لا يجوز، وكذا لا تتعلق القدرة بالمستحيل، وذلك لأن تعلقها بالمستحيل إما على سبيل الإيجاد أو على سبيل الإعدام، وهو محال، وذلك لأن المستحيل هو المنفي الذي لا يقبل الثبوت أصلاً لذاته، فإذا تعلقت به القدرة على سبيل الإيجاد فهو معدوم يستحيل وجوده فإن وجد فهناك خلف محال، وإن تعلقت به على سبيل الإعدام فهو معدوم فأي إضافة في عدميته فتؤول المسألة إلى تحصيل الحاصل وهو محال لا يمكن، فبقى أن القدرة لا تتعلق إلا بالممكن وهو ما يطرؤ عليه الوجود والعدم، والممكنات غير متناهية؛ بمعنى أن فعل الممكنات غير متناهي لا حدود له، فمثلاً تقول البشر يمشون هل من الممكن عمل حصر لمشي المخلوقات، هذا هو اللاتناهي، وكذا إذا قلت أريد أن أحدد الحركة بالنسبة للموجود، فهو أمر خارج عن الحصر والاستقصاء، وكذا عدد الأنفاس بالنسبة لنوع واحد من الموجودات فما بالك بالآخرين، ثم إن للقدرة بالممكن تعلقات وهي سبعة كما ذكرها الشارح، تنجيزي قديم، وصلوحي قديم، وتعلقات القبضة ثلاثة، وتنجيزي حادث وصلوحي حادث، والتنجيزي هو ثبوت القدرة وفعلها في الممكن، والصلوحي أي صلاحيتها في الأزل للإيجاد والإعدام فيما لا يزال.
ومن سمات صفة القدرة أنها صفة واحدة لا تتعدد، وفي هذا رد على بعض المعتزلة القائلون بأن الصفة متعددة بتعدد المقدورات، وأن له قدر لا تتناهي، وهذا إن صح بالنسبة للمخلوق، فإنه لا يصح بالنسبة للخالق، والفرق ظاهر فالإنسان إذا أراد أن يرفع واحد كيلوا جرام فإنه يحتاج لقدرة ما، ليست هذه هي القدرة التي يستحضرها لرفع خمسين كيلوا جرام، ويمكن تسميتها بالعزم واستنفاذ القوة والطاقة، لكن الحق تعالى قدرته واحدة لا تتعدد بتعدد المقدورات، ودليلنا على ذلك أنه لو تعددت قدرتين على مقدور واحد لزم الخلف المحال، للزوم اجتماع مؤثرين على أثر واحد، وهو ما يقتضي إنفاذ أحد القدرتين ما ترك الأخرى، وفي المسألة تفصيل في أفعال العباد.
وكذا صفة الإرادة مثل القدرة في كونها لاتتعلق إلا بالممكن تعلقاً عاماً، وكونها واحدة، وأنها غير متناهية التعلق، لكنها تخالف القدرة في أن القدرة لها تعلقات سبعة بالنسبة للممكن، والإرادة لها تعلقين فقط وهما: التنجيزي القديم، والصلوحي القديم، والبعض أضاف صلوحي حادث، وايضاً في أن القدرة صفة تنجيز، والإرادة صفة تخصيص فافهم.
أما صفة العلم فهي تخالف الإرادة والقدرة في أن صفة العلم لا تتعلق بالممكن فحسب، ولكنها تتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات، إذ العلم خصيصته الانكشاف، وعلمه تعالى واحد لا يتعدد بخلاف ما ذهب إليه الصعلوكي من أن علمه تعالى متعدد بعدد المعلومات، وهو باطل إذ التعدد لا يكون في الصفة وإنما يكون في التعلقات، وقد أثارت صفة العلم اعتراضاً كبيراً قام بين الفلاسفة والمتكلمين في هل يعلم الله الجزئيات بعلمه القديم، أم يعلمها بعلم كلي أم ماذا؟ فذهب الفلاسفة إلى أنه تعالى يعلمها بعلم كلي مطلق خال عن التقييد، ونازعهم في هذا المتكلمون وكفرهم الغزالي بقولهم هذا إذ يفضي إلى انتفاء علمه تعالى بالجزئيات، وذهب المتكلمون إلى أنه تعالى يعلم الجزئيات بالعلم القديم، واسسوا على ذلك دقيق الاعتقاد في الصفة.
وتعلقات العلم والقدرة والإرادة مترتبة، فمبدأ الأمر العلم فإن العلم يكشف الشيء إذ ما كان سيوجد أو لا، ثم تأتي الإرادة فتخصصه بالوجود، ثم تأتى القدرة فتنجز وجوده، فالمبدأ من العلم، والنهاية مع القدرة.
والعلم لا يقتصر على الممكنات فقط، وإنما يعم الجائزات والواجبات والمستحيلات، وصفة الكلام مثل صفة العلم في أنها تتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات، ثم أن صفة الكلام لا تناهي لمتعلقاتها، مع وحدتها فهي صفة واحدة، وهذا الكلام لا نقاش فيه، وإنما الإيمان به واجب والأولى في هذا المقام الاتباع لا الابتداع فافهم.
تعلقات السمع والبصر والإدراك
بالنسبة لصفتي السمع والبصر فيناط السمع بهما، فسمع الله تعالى عام يعم كل موجود، ولا حاجة للقول بأن المسموعات كثيرة فيلزم على ذلك التغير وما إليه، قلنا: إن التغير لا في الصفة وإنما في المتعلقات، ويلحق البصر كذلك السمع في هذا الأمر، وليس السمع تابع لصفة الإدراك وكا البصر، فصفة الإدراك على ما جرى فيها الاختلاف فإنها تتلق بالمشمومات والملموسات والمذوقات كما نوه إلى ذلك الباقلاني والجويني، وإن كان في التوقف السلامة كما ذهب ابن المقترح وابن التلمساني وتابعهم السنوسي، وهو الصحيح كما سبق البيان.
وعليه فاعلم أن للسمع والبصر والإدراك على القول به ثلاث تعلقات، تعلقاً تنجيزياً قديماً، وهو التعلق بذات الله تعالى وصفاته، وتعلق صلوحي قديم، وهو التعلق بالموجودات قبل وجودها، وتعلق تنجيزي حادث، وهو التعلق بالموجودات بعد وجودها، واشار المصنف إلى هذه التعلقات من قوله ( أنط) واستفيد عدم تناهي متعلقاتها من أداة العموم الداخلة على موجود.
مغايرة صفة الحياة للصفات السابقة في التعلق
وهذه الصفات الأربع وهي الكلام والسمع والبصر والإدراك غير العلم، بل إنها تغاير العلم وكما قلنا في هذا رد على بعض المعتزلة الذين يزعمون أن هذه الصفات الثلاث إنما هي العلم، وقلنا إن هذه الصفات ( السمع والبصر ) إنما يثبتان بالسمع، والعقل مؤكد له عند وروده، لكن يكتفى بالنقل ولا حاجة للعقل في إثباتهما، أما صفة الإدراك فقلنا إن إثباتها عند أهل الإثبات هو العقل لا النقل، فمغايرة هذه الصفات للعلم، ثم مغايرتها لبعضها أكد عليه العلماء، وهو الثابت بالأدلة السمعية، وهذه الصفات إنما تثبت بالسمع، ومدلول كل واحدة مخالف لمدلول الأخرى، لذا وجب حمل ما أعطاه الظاهر حتى يثبت بالنص خلافه، ولا خلاف حتى الآن، حينئذ يبقى الأمر على ما هو عليه.
وصفة الحياة لا تتعلق بشيء أي أمر موجود أو معدوم، وذلك لأنها صفة مصححة لمن قامت به أن يتصف بصفات الإدراك، ولا تقتضي أمراً زائداً على قيامها بمحلها.
المحاضرة الرابعة :
الكلام في أسماءه تعالى والآراء الواردة فيها
وهنا يجب أن نشرع في بيان اعتقادنا في أسماء الله تعالى إذ هو الأصل فيما يوجب الاعتقاد في أسماء الله تعالى، ونحن معاشر أهل السنة نعتقد أن أسماء الله قديمة، وهذا خلاف للمعتزلة القائلون بأن أسماء الله تعالى حادثة، لكن كيف توصف الأسماء بالقدم؟ فقالوا: إنها قديمة بمعنى أنها صالحة له تعالى أزلاً، فهي قديمة باعتبار الصلاحية، وقال آخرون: إنها قديمة من حيث علم الله تعالى وتقديره، وقيل إنها قديمة من حيث مدلولها، وقال البعض أنها قديمة باعتبار تعلقها بالكلام القديم، وقال ابن العربي: وهي قديمة لدلالة الأسماء القديمة عليها فدلت على معانيها من غير تبعيض ولا تجزئة، ورجحه المصنف، وليس المقصود بقدم الأسماء نفي الأولية مطلقاً كصفة القدم، وإنما القول بأنها موضوعة قبل الخلق ومع ذلك فلا ترتبط بالزمان، فالله تعالى وضعها قبل خلقه، ثم الهمها النور المحمدي، ثم ألهمها الملائكة، ثم علمها الملائكة للرسول بعد الرسالة، ثم بلغها الرسول للمسلمين، وهذا يجوز قبوله عند أهل الذوق والمواجيد، وربما تحدث في التفصيل البعض فلا التفات للترتيب، فالاسم إما أن يكون مشتقاً من السمو وهو العلو، فالله لم يزل موصوفاً قبل وجود الخلق وعند وجودهم وبعد فنائهم لأنه لا تأثير في أسمائه، وذهب آخرون إلى أن الاسم مشتق من السمة، والتقدير على كلامهم أنه تعالى كان قبل الخلق بلا أسماء ولا صفات فلما خلق الخلق جعلوها له وبعد فنائهم يبقى بدونها وهو ما ذهب إليه المعتزلة، وكلامهم هذا فيه قبح ظاهر، وذهب العلامة الشمنى بأن هذا القول أقبح من قولهم بخلق القرآن.
والمراد من الأسماء التي تلحق بالذات المجردة كالله في العربية وخداي في الفارسية وآل شداي في العبرانية، وهذه الأسماء عظيمة بمعنى أنها الجليلة المبرأة المنزهة، المطهرة عن أن يتسمى بها غيره، وهنا يطرؤ سؤال مفاده هل يمكن أن تتفاضل الأسماء الحسنى فيما بينها أم لا؟ والجواب ذهب البعض إلى أنها متفاضلة بدلالة ما جاء في الحديث الشريف لله تسعاً وتسعين اسماً أفضلها اسم الله، وكثير، وذهب ابن العربي إلى أنها متساوية في نفس الأمر لرجوعها لذات واحدة هي ذات الله تعالى، وإن وقع التفاضل فلأمر خارج عنها، والأول أرجح لما فيه من نصوص دالة على التفاضل.
وعليه فإن صفات الله تعالى الذاتية تلحق اسماءه في الحكم، فالصفات قديمة كما الأسماء، وكذا الصفات ليست من وضع خلقه، وليست بحادثة وإلا للزم قيام الحوادث بذاته تعالى وهو محال، بل يلزم أن يكون الله تعالى عارياً عنها في الأزل كما يلزم افتقارها إلى مخصص وهو ينافي الغنى المطلق والكمال الدائم، ويبين احتياجه تعالى إلى الغير، وافتقاره إلى المخصص، ومعلوم أنه تعالى غني عن الحوادث، وخرج بصفات الذات صفات الفعل فهي حادثة عن الأشاعرة قديمة عند الماتريدية كما سبق البيان.
واختيار أهل السنة والجماعة بأن أسماء الله تعالى توقيفية أي أن الله تعالى هو الذي وضعها، وفي هذا مخالفة لمن ذهب أنها اصطلاحية أو توزيعية، أو توقف في الحكم فيها، ومعنى أنها توقيفية أنه لا يزاد فيها ولا ينقص منها إلا بإذن شرعي، وفي هذا مخالفة للمعتزلة القائلون بجواز الزيادة عند ورود التنزيه ولو لم يرد إذن شرعي، ومال إلى ذللك القاضي الباقلاني، وتوقف في هذا إمام الحرمين، وفصل الغزالي في المسألة فجوز الإطلاق في الصفات على اعتبار التنزيه وإلحاق كمالات لا تتناهي عند ورود التنزيه والتقديس، أما بالنسبة للأسماء فطالما أنه لم يرد إذن فلا يجوز الإطلاق وأرى هذا القول أفضل من غيره.
الآيات والأحاديث الموهمة للتشبيه
والقاعدة في فهم الآيات والأحاديث الموهمة للتشبيه، تفيدإن أي نص يوهم بظاهره أن يشبه الله بشيء من مخلوقاته، وجب على المفسر أو المعتقد أن يراعي أمرين وهما: إما التأويل لهذا الموهم بما يتفق وقواعد اللغة المقررة بشرط أن تكون هناك قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، وهذه القرينة واضحة غير مفتعلة، ويجب أن يكون الكلام فيه نبرة التشبيه أو التمثيل ظاهرة، وإلا بقي على أساس وضعه، فهذه هي الأولى، أما الثانية: أو فوض بمعنى أن تفوض المسألة برمتها إلى الله تعالى، لكن التفويض ليس قبل أن تعلم ما تفوض فيه وإلا كان الجهل هو السابغ، والتفويض كما هو فعل الصحابة هو فعل الذين يحسنون ويتعلقون بالإحسان كمنهج واعتقاد، لأن التفويض يكون بالإخلاص في المفوض فيه وإليه، وأيضاً: المفوض لا يفعل ذلك إلا وأن يدرك بالأصل قصور اللغة في الوصول إلى المراد، فيعلم أن من كامل التنزيه أن يفوض لله تعالى، فيقف عند هذا الحد، وأما المؤول فإنه ما يشرع في التأويل إلا وأن تكون هناك حاجة، إما أن يكون المجادل والمناقش له من أهل الأهواء أو الفلسفة فلا يكفيه مجرد أن تقول هذا نص وإنما يريد أن يعمل فيه عقله ليرى الحق من الباطل، فلا يجد الإنسان بداً من الدخول إلى باب التأويل حفاظاً على التنزيه الإلهي إذ لولا التأويل لنزع إلى المحسوس والتشبيه والتمثيل؛ لكن بالتأويل يصرف عن معنى إلى معنى، والتأويل صرف الذهن عن واقع محسوس إلى مقدر معقول، لكن يجب أن نعلم أننا جميعاً لا نعلم المعنى المراد على التحقيق، وإنما يرد إلى العالم به وهو الله تعالى، وطريقة السلف هي التفويض، وطريقة الخلف هي التأويل، وطريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أحكم، والحقيقة الاعتقاد بالأسلم بعيداً عن مهاترات التشويه والتشكيك، ولا يقوم بها إلا العالمون الوافقون على الإشارات الإلهية ورموزها، أما طريقة الخلف أحكم بمعنى أنها تبعد أي تشويه أو تشكيك أو دخول في قياس أو جدل منطقي باطل، فيقف الإنسان عند حده في العلم.
وكلا الطريقتين مقبوله لأن الضابط بينهما واحد وهو الوصول إلى تنزيه الله تعالى، والمنطلق لهما واحد، وهو القرآن الكريم، بل المنطلق لهما آية واحدة، وهي قوله تعالى ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ آل عمران: ٧) فا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://drshehata.yoo7.com
 
الملف الثاني من المحاضرات الكاملة من الثالثة إلى السادسة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الملف الأول في المحاضرات الكاملة من الأولى للثالثة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف
» الملف الرابع في المحاضرات الكاملة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف
» الملف السادس والأخير في المحاضرات الكاملة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف
» الملف الخامس في المحاضرات الكاملة للفرقة الأولى تفهنا الأشراف
» الملف الثالث من المحاضرة السادسة إلى التاسعة للفرقة الأولى بتفهنا الأشراف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الاستاذ الدكتور محمد السيد شحاته :: قسم خاص بكلية التربية تفهنا الأشراف :: محاضرات-
انتقل الى: